لا إله إلا الله سر من أسرار هذا الكون، بها وجوده وقوامه، هي وسام الرضا والقبول وصمام الأمان، ومفتاح القرب والجنان. ولما كانت كذلك، أرشد المولى جل وعلا عباده للإقرار بها، وتمثلها والعمل بمقتضاها، وبعث من أجلها الأنبياء والرسل لتجديد العهد والتذكير بها. قال الله عز وجل ﴿ ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن انذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون﴾ قال رسول الله "أفضل ما قلته أنا والنبيئون من قبلي لا إله إلا الله" [1] في هذه الورقة نقف مع لا إله إلا الله (الكلمة الطيبة) لنشنف بها أسماعنا-التي أصابها وقر الغفلة والنسيان- نذكر ببعضٍِ من فضائلها وأسرارها، عسى أن تصغي لها آذان صمٌاً، وتتفتح بها أعينا عميا، وتطمئن لها قلوباً غُلفا فتسعد بعد اللقاء، جعلنا الله تعالى من أهلها الذين ﴿ كانو أحق بها وأهلها﴾ [2] وأكرمنا بأسرارها وأنوارها.
هي شفاء للصدور
هي نور على نور
ذكر ربك الغفور
لا اٍله إلا الله
1- ماهية لا إله إلا الله ودورها التربوي
جاء في مسند البزار وغيره عن عياض الأنصاري رضي الله عنه عن النبي أنه قال "لا إله إلا الله كلمة حق على الله كريمة ولها من الله مكان وهي كلمة من قالها صادقا أدخله بها الجنة ومن قالها كاذباً حقنت دمه وأحرزت ماله ولقي الله غداً فحاسبه. وهي ثمن الجنة" . لا إله إلا الله تتكون من شقين اثنين نفي وإثبات ف "لا إله" تفيد النفي العام لجميع الآلهة التي تعتقد أو تعبد في هذا الوجود. و"إلا الله" إثبات لذات الله عز وجل بالوجود واحداً فردا صمداً، لا شريك له في الخلق والأمر، ومعناه أن لا إله ولا معبود يستحق العبادة حقا وعدلاً غير الله عز وجل، وهو دحض ونفي لكل ما يعبد من أنداد وأضداد، وعلى هذا الأساس بنيت شريعة الإسلام.
روى زيد بن أرقم عن النبي أنه قـال "من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، قيل وما إخلاصها، قال أن تحجزه عن محارم الله " "حكي أن الحجاج أمر بقتل رجل فقال الرجل حتى تأخذ بيدي وتمشي معي، فأجابه، فقال الرجل بعد ذلك بحرمة صحبتي لك في هذه الساعة لا تقتلني فعفا عنه. وقد وقعت للمؤمن صحبة مع الله تعالى من خلال ترداده لكلمة لا إله إلا الله فيرجى له المغفرة "[3] ولما كانت لا إله إلا الله أسّ الإيمان وكلمة الإخلاص والتوحيد، وشهادة الحق ودعوة الحق ولأجلها خلق الله الخلق وأرسل الرسل، كان طبيعيا أن تتضمن الشرائع معنىً من معاني هذه الكلمة الطيبة نفيا وإثباتا عبادة وسلوكا وأخلاقاً.
فالشرع الحكيم نهى عن الشرك وأثبت التوحيد، وحارب النجاسة وأثبت الطهارة، ونهى عن الكذب. وأثبت الصدق، ونهى الشك وأثبت اليقين وهكذا دواليك، وبترداد هذه الكلمة الطيبة والإكثار منها يتجدد الإيمان ويتطهر القلب من الأدران "فالنهي للتطهير والإثبات للتنوير"، فلاغرو أن يأمر النبي بالإكثار منها والالتزام بغرزها وصحبة أهلها.
"فالله تعالى أمرك بطاعات كثيرة ويستحيل أن يوافقك في شيء منها وأمرك بلا إله إلا الله ووافقك فيها. قال الله عز وجل في سورة آل عمران الآية 18 {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} والإشارة بتكرير هذه الكلمة في الإشارة إلى تكريرها طول عمرك"[4] يتجدد الإيمان بالإكثار من قول لا إله إلا الله، روى الإمام أحمد والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "قال رسول الله : جددوا إيمانكم. قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا. قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله" فإذا ذكر المومن ربه بهذه الصيغة وأكثر من ذلك تجدد الإيمان، "ففي لفظها المقدس سر وكيمياء بهما ينفذ الإيمان إلى القلب "[5] فعنوان السعادة هو الإكثار من ذكر هذه الكلمة الطيبة حتى يستقيم عود الإيمان، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله : "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه" [6] فلا إله إلا الله هي شعار الإسلام وركن الدين الأعظم وهي أعلى شعب الايمان "وأفضل الذكر" "وأفضل الحسنات" وحصن الله الحصين من دخله كان آمنا، "وهي أشرف الذكر، وكل فضل للذكر على الإطلاق فهو لها، والآي القرآنية المؤذنة بالترغيب في ذكرها كثير"[7] وتجدر الإشارة إلى أن لا إله إلا الله لها خاصية متميزة ومنفردة عن صيغ الذكر الأخرى كونها تجدد الايمان كما أسلفنا وهي بذلك تتبوأ رقما مهما في المعادلة التربوية، لذا اهتبل بها أطباء القلوب، وأمحضوا النصح لتلاميذهم وأتباعهم، وكانت هجيرهم بالغدو والآصال "ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد... وهي مفتاح الجنة ومفتاح دعوة الرسل وبها كلم الله موسى كفاحاً.[8] فعليك بلا إله إلا الله فإنه الذكر الأقوى وله النورالأضوى، والمكانة الزلفى ولا يشعر بذلك إلا من لزمه وعمل به حتى أحكمه".[9]
2- أسماء وكلمات لا إله إلا الله
ذكر الله عز وجل لا إله إلا الله بهذا اللفظ المبارك في كتابه العزيز في بضع وثلاثين موضعا، نقتصر هنا على ذكرها والتذكير بها في سورها لا بعددها اختصارا للتطويل وهو أحكم القائلين:
﴿ وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم﴾ .
﴿ ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ .
﴿ الله لا إله إلا هو ليجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه﴾ .
﴿ ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو﴾ .
﴿ لا إله إلا هو يحيي ويميت﴾ .
﴿ لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون﴾ .
﴿ لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون﴾ .
﴿ لا إله إلا هو عليه توكلت﴾ .
﴿ لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة﴾ .
﴿ لا إله إلا أنا فاتقون﴾ .
﴿ لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى﴾ .
﴿ لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ .
﴿ لا إله إلا هو رب العرش الكريم﴾ .
﴿ لا إله إلا هو رب العرش العظيم﴾ .
﴿ لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة﴾ .
﴿ لا إله إلا هو فأنى توفكون﴾ .
﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون﴾ .
﴿ ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأني توفكون﴾ .
﴿ لا إله إلا هو يحيي ويميت﴾ .
﴿ فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾ .
﴿ هو الله الذي لا إله إلا هو﴾ .
﴿ الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المومنون﴾ .
﴿ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخدوه وكيلا﴾
وقد ذكرت الكلمة الطيبة بصيغة التوحيد أكثر من عشر مرات في المصحف الشريف أما ما يدخل في معاني تقارب الهيللة أو التوحيد أو بمعاني أخرى فهي كثيرة نقتصر منها على ما يفي الغرض.
لا إله إلا الله كلمة التقوى
يقول المولى عز وجل في حق المؤمنين المجاهدين الأوائل رضي الله عنهم في سورة الفتح ﴿ وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها﴾ قال المفسرون هي لا إله إلا الله. ففي هذه الآية مدح المولى عز وجل طائفة من المؤمنين لما هاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وأشربت قلوبهم معنى لا إله إلا الله، وكانوا أهلا لثناء الله عز وجل كما نهلو من معين الصحبة فصدقوا وأخلصوا.. ففازوا وأفلحوا، وأمر الله جار إلى قيام الساعة لا حجر على رحمة الله، فمن سلك طريقهم وصار على نهجهم، وتبعهم بإحسان لا شك يفوز مثل ما فاز هؤلاء الأخيار. فكلمة لا إله إلا الله ليست كلمة تقال فحسب إنما هي علم ويقين وصدق وإخلاص وانقياد واستسلام، وبالجملة فهي منهج حياة وجهاد متواصل إلى قيام الساعة.
وفي المقابل، وفي آية أخرى، ذم الله عز وجل أقواما رفضوا النطق بالكلمة الطيبة- بله العمل بمقتضياتها- وأصروا واستكبروا، فكان مآلهم الشقاوة والخسران ﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون﴾
يا حسرة على العبد، الذي نكص وأعرض عن ذكر ربه!؟ ما درى المسكين من أين تؤكل الكتف، فكلمة التقوى هاته وقرة العين التي لا تنقطع لقنها النبي عمه فرفض، ولقنها أصحابه، فسبقت لهم من الله الحسنى، فاستجابوا، فغفر الله لهم، ففازوا.
في الحديث الشريف الذي رواه الصحابيان الجليلان شداد بن أوس وعبادة بن الصامت أن نبي الله أمر أصحابه بإغلاق الباب ثم قال لهم "ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا الساعة. ثم وضع رسول الله يده ثم قال: الحمد لله اللهم بعثني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة وإنك لا تخلف الميعاد ثم قال أبشروا فإن الله عز وجل قد غفر لكم" [10]
وكلمة لا إله إلا الله هي كلمة "السواء" التي دعا إليها رسول الله أهل الكتاب وأهل الملل الأخرى، فهي باب الهداية على صراط الله المستقيم وأمر الله الجامع ﴿ قل يا أهل الكتاب تعالو إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله﴾ ﴿ وهدوا إلى الطيب من القول﴾ . ووصفها بالطيبة وضرب الله بها مثلا ﴿ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة﴾ .
ووصفها كذالك بالوصف الخالد السرمدي كونها تخرق السبع الطباق وتخرق الحجب ﴿ إليه يصعد الكلم الطيب﴾ . قال المفسرون أن الطيب من القول والكلم هو لا إله إلا الله. والطيب المطلق هو معرفة لا إله إلا الله والفناء في حب الله ﴿ فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾ .
فمعرفة لا إله إلا الله، ومن تم ذكر الله، والاستغراق في نور جلال الله من خلال ترداد لا إله إلا الله والإكثار من ذلك هو مفتاح الفلاح وطريق السعادة الأبدية خاصة إذا كان المؤمن الذاكر محصنا بصحبة راشدة تغرف من مشكاة النبوة، يامن يجري وراء السراب وشقشقة الكلام ما ينفع قال وقلت، من ها هنا الطريق.
لا إله إلا الله جواز المرور وبطاقة القبول بدار البرزخ
﴿ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و الآخرة﴾
القول الثابت هوشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يقولها المؤمن عند سؤال القبر، ويشهد بها قبل ذلك في الدنيا، ويثبت عليها، وأعظم بها من شهادة أجرها على الله عز وجل كبير.
"يروى أن يوسف عليه السلام أراد أن يتخد وزيراً فجاءه جبريل عليه السلام فقال له إن الله يأمرك بأن تتخد فلانا وزيرا لك فنظر يوسف إليه وكان الرجل في غاية الدمامة فسأل جبريل عن السبب فقال إن له عليك حق الشهادة إنه هو الذي شهد ﴿ وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين﴾ .
والإشارة في ذلك أن من شهد لمخلوق وجد وزارته في الدنيا، ومن شهد لله بالتوحيد في الحال كيف لا يجد رحمته في العقبى؟"[11]
فلذلك أمرنا رسول الله بالإكثار منها لفضلها وكرامتها و"لا إله إلا الله" كلمة الله العليا ﴿ وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا﴾
وكلمة الله العليا هي لا إله إلا الله التي يعتز بها كل مؤمن قوي يستمد قوته من إيمانه بالله عز وجل وثقته بموعوده ولا يبالي بما أصابه في جنب الله "إن من يعتمد بهوية عجزه على سلطان الكون الذي بيده أمر "كن فيكون" كيف يجزع ويضطرب؟ بل يثبت أمام أشد المصائب، واثقا بالله ربه، مطمئن البال مرتاح القلب وهو يردد ﴿ إنا لله وإنا اليه راجعون﴾ [12]
وبالجملة فهي كلمة التوحيد والإخلاص، ودعوة الحق وكلمة الإحسان والعروة الوثقى من تمسك بها فاز ونجا وأدرك أهل النجا ﴿ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها﴾
[1] أخرجه ابن عبد البر في التمهيد 6/38. [2] جزء من الآية 26 من سورة الفتح. [3] مفتاح الفلاح، ابن عطاء الله السكندري. [4] المصدر السابق [5] الإحسان 1، عبد السلام ياسين. [6] رواه أحمد والطبراني. [7] الغنية، سيدي العربي السايح. [8] أبواب الفرج، د. السيد محمد علوي المالكي. [9] مفتاح الفلاح، ابن عطاء الله. [10] رواه الإمام أحمد. [11] مفتاح الفلاح، ابن عطاء الله. [12] من مكتوبات سعيد النورسي.
التوقيع