قومي أولئك إن تسألي
كرام إذا الضيف يوما ألم
عظام القدور لأيسارهم
يكبون فيها المسن السنم
يؤاسون جارهم في الغنى
ويحمون مولاهم إن ظلم
فكانوا ملوكا بأرضيهم
ينادون عضبا بأمر غشم
ملوكا على الناس لم يملكوا
من الدهر يوما كحل القسم
فأنبوا بعاد وأشياعها
ثمود وبعض بقايا إرم
بيثرب قد شيدوا في النخيل
حصونا ودجن فيها النعم
نواضح قد علمتها اليهو
د ( عل ) إليك وقولا هلم
وفيما اشتهوا من عصير القطا
ف والعيش رخوا على غيرهم
فسرنا إليهم بأثقالنا
على كل فحل هجان قطم
جنبنا بهن جياد الخيو
ل قد جللوها جلال الأدم
فلما أناخوا بجنبي صرار
وشدوا السروج بلي الحزم
فما راعهم غير معج الخيو
ل والزحف من خلفهم قد دهم
فطاروا سراعا وقد أفزعوا
وجئنا إليهم كأسد الأجم
على كل سلهبة في الصيا
ن لا يشتكين نحول السأم
وكل كميت مطار الفؤاد
أمين الفصوص كمثل الزلم
عليها فوارس قد عودوا
قراع الكماة وضرب البهم
ملوك إذا غشموا في البلا
د لا ينكلون ولكن قدم
فأبنا بساداتهم والنساء
وأولادهم فيهم تقتسم
ورثنا مساكنهم بعدهم
وكنا ملوكا بها لم نرم
فلما أتانا الرسول الرشي
د بالحق والنور بعد الظلم
قلنا صدقت رسول المليك
هلم إلينا وفينا أقم
فنشهد أنك عبد الإل
ه أرسلت نورا بدين قيم
فإنا وأولادنا جنة
نقيك وفي مالنا فاحتكم
فنحن أولئك إن كذبوك
فناد نداء ولا تحتشم
وناد بما كنت أخفيته
نداء جهارا ولا تكتتم
فصار الغواة بأسيافهم
إليه يظنون أن يخترم
فقمنا إليهم بأسيافنا
نجالد عنه بغاة الأمم
بكل صقيل له ميعة
رقيق الذباب عضوض خذم
إذا ما يصادف صم العظا
م لم ينب عنها ولم ينثلم
فذلك ما ورثتنا القرو
م مجدا تليدا وعزا أشم
إذا مر نسل كفى نسله
وغادر نسلا إذا ما انفصم
فما إن من الناس إلا لنا
عليه وإن خاص فضل النعم
قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد الأنصاري بيته
فكانوا ملوكا بأرضيهم
ينادون غضبا بأمر غشم
وأنشدني :
بيثرب قد شيدوا في النخيل
حصونا ودجن فيها النعم
وبيته "
وكل كميت مطار الفؤاد
" عنه .
--------------------------------------------------------------------------------
وفيها :
وناد جهارا ولا تحتشم
وفيها رد على من زعم أن الحشمة لا تكون إلا بمعنى الغضب وأنها مما يضعها الناس غير موضعها ، وقد جاء عن ابن عباس : لكل طاعم حشمة فابدءوه باليمين وفي الحديث المرفوع لا يرفعن أحدكم يده عن الطعام قبل أكيله فإن ذلك مما يحشمه
وأنشد أبو الفرج لمحمد بن يسير وإن كان ليس مثل حسان في الحجة
في انقباض وحشمة فإذا
جالست أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها
وقلت ما شئت غير محتشم
وفيها قوله
وكانوا ملوكا ، ولم يملكوا
من الدهر يوما كحل القسم
فيه شاهد لما قاله ابن قتيبة في تفسير كحلة القسم وخلافه لأبي عبيد ، وقد قدمنا قولهما فيما تقدم من شرح قصيدة كعب بن زهير . وأنشد ابن قتيبة :
إذا عصفت ريح فليس بقائم
بها وتد إلا تحلة مقسم
وأنشد أيضا :
قليلا كتحليل الألى ثم أصبحت
البيت . وقوله وعزا أشم هو كقول العرب : عزة قعساء يريد شماء لأن الأقعس الذي يخرج صدره ويدخل ظهره وقد فسره المبرد غير هذا التفسير وبيت حسان يشهد لما قلناه إنما هو الشمم الذي يوصف به ذو العزة فوصفت العزة به مجازا .